فصل: وفاة معاوية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة معاوية:

وتوفي معاوية سنة ستين وكان خطب الناس قبل موته وقال: إني كزرع مستحصد وقد طالت إمارتي عليكم حتى مللتكم ومللتموني وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي ولن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه كما أن من كان قبلي خير مني وقد قيل من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي وبارك لي فلم يمض إلا قليل حتى ازداد به مرضه فدعا ابنه يزيد وقال: يابني إني قد كفيتك الرحلة والترحال ووطأت لك الأمور وأخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد وإني أخاف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي انتسب لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فأما ابن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق غيره بايعك وأما الحسين فإن أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ما مثله وحقا عظيما وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثله وليس له همة إلا في النساء وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك وقدرت عليه فقطعه إربا إربا هذا حديث الطبري عن هاشم وله عن هاشم من طريق آخر قال: لما حضرت وفاة معاوية سنة ستين كان يزيد غائبا فدعا بالضحاك بن قيس الفهري وكان صاحب شرطته ومسلم بن عتبة المزني فقال: أبلغا يزيد وصيتي أنظر أهل الحجاز فإنهم أهلك فأكرم من قدم إليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم عاملا فافعل فإن عزل عامل أخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك وإن رابك شيء من عدوك فانتصر بهم فإذا أصبتم فاردد أهل الشآم إلى بلادهم لإنهم إن قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم ولست أخاف عليك من قريش إلا ثلاثا ولم يذكر في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر وقال في ابن عمر: قد وقذه الدين فليس ملتمسا شيئا قبلك وقال في الحسين: ولو أني صاحبه عفوت عنه وأنا أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه وقال في ابن الزبير: إذا شخص إليك فالبد له إلا أن يلتمس منك صلحا فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت.
وتوفي في منتصف رجب ويقال جمادي لتسع عشرة سنة وأشهر من ولايته وكان على خاتمه عبد الله بن محصن الحميري وهو أول من اتخذ ديوان الخاتم وكان سببه أنه أمر لعمر بن الزبير بمائة ألف درهم وكتب له بذلك إلى زياد بالعراق ففض عمر الكتاب وصير المائة مائتين فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية وأخذ عمر بردها وحبسه فأداها عنه أخوه عبد الله فأحدث عند ذلك ديوان الخاتم وحزم الكتب ولم تكن تحزم وكان على شرطته قيس بن همزة الهمداني فعزله ابن بيد بن عمر العدوي وكان على حرسه المختار من مواليه وقيل أبو المحارى مالك مولى حميرة وهو أول من أتخذ الحرس وعلى حجابه مولاه سعد وكان كاتبه وصاحبه أمره سرجون بن منصور الرومي وعلى القضاء فضالة بن عبد الله الأنصاري وبعده أبو دويس عائذ بن عبد الله الخولاني.

.بيعة يزيد.

بويع يزيد بعد موت أبيه وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى مكة عمر ابن سعيد بن العاص وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى الكوفة النعمان بن بشير ولم يكن همه إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية بيعته فكتب إلى الوليد بموت معاوية وأن يأخذ حسينا وابن عمر وابن الزبير بالبيعة من غير رخصة فلما قرأ مروان الكتاب بنعي معاوية استرجع وترحم واستشار الوليد في أمر أولئك النفر فأشار عليه أن يحضرهم لوقته فإن بايعوا وإلا قتلهم قبل أن يعلموا بموت معاوية فيثب كل رجل منهم في ناحية وإلا ابن عمر فإنه لا يحب القتال ولا يحب الولاية وإلا أن يرفع إليه الأمر فبعث عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث فجاء إلى الحسين وابن الزبير في المسجد في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس وقال: أجيبا الأمير فقالا: لا تنصرف إلا أن نأتيه ثم حدثا فيما بعث إليهما فلم يعلموا ما وقع وجمع الحسين فتيانه وأهل بيته وسار إليه فأجلسهم بالباب وقال إن دعوتكم أو سمعتم صوتي فادخلوا بأجمعكم ثم دخل فسلم ومروان عنده فشكرهما على الصلة بعد القطيعة ودعا بإصلاح ذات البين فأقراه الوليد الكتاب بنعي معاوية ودعاه إلى البيعة فاسترجع وترحم وقال: مثلي لا يبايع سرا ولا يكتفي بها مني فإذا ظهرت إلى الناس ودعوتهم كان أمرنا واحدا وكنت أول مجيب فقال الوليد وكان يحب المسالمة: انصرف فقال مروان: لا يقدر منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينهم ألزمه البيعة وإلا اضرب عنقه فوثب الحسين وقال أنت تقتلني أو هو! كذبت والله! وانصرف إلى منزله وأخذ مروان في عذل الوليد فقال: يامروان والله ما أحب أن لي ما طلعت الشمس من مال الدنيا وملكها وأني قتلت الحسين إن قال لا أبايع وأما ابن الزبير فاختفى في داره وجمع أصحابه وألح الوليد في طلبه وبعث مواليه فشتموه وهددوه وأقاموا ببابه في طلبه فبعث ابن الزبير أخاه جعفرا يلاطف الوليد ويشكو ما أصابه من الذعر ويعده بالحضور من الغداة وأن يصرف رسله من بابه فبعث إليهم وانصرفوا وخرج ابن الزبير من ليلته مع أخيه جعفر وحدهما وأخذا طريق الفراع إلى مكة فسرح الرحالة في طلبه فلم يدركوه ورجعوا وتشاغلوا بذلك عن الحسين سائر يومه ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال: أصبحوا وترون وفري وسار في الليلة الثانية ببنيه وإخوته وبني أخيه إلا محمد بن الحنفية وكان قد نصحه وقال تنح عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت وابعث دعاتك إلى الناس فإن أجابوك فاحمد الله وإن اجتمعوا على غيرك يضر بذلك دينك ولا عقلك ولم تذهب به مروأتك ولا فلك وأنا أخاف أن تأتي مصرا أو قوما فيخلفون عليك فتكون الأول إساءة فإذا خير الأمة نفسا وأبا أضيعها ذمارا وأذلها قال له الحسين: فإني ذاهب قال: إنزل مكة فإن إطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وإن فاتت بك لحقت بالرمال وشعب الجبال ومن بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس وتعرف الرأي فقال يا أخي نصحت وأشفقت! ولحق بمكة وبعث الوليد إلى ابن عمر ليبايع فقال: أنا أبايع أمام الناس وقيل الناس وقيل ابن عمر وابن عباس كانا بمكة ورجعا إلى المدينة فلقيا الحسين وابن الزبير وأخبرهما بموت معاوية وبيعة يزيد فقال ابن عمر: لا تفرقا جماعة المسلمين وقدم هو وابن عباس المدينة وبايعا عنه بيعة الناس ولما دخل ابن الزبير مكة وعليها عمر بن سعيد قال: أنا عائد بالبيت ولم يكن يصلي ولا يقف معهم ويقف هو وأصحابه ناحية.